د محمد عبدالمجيد يكتب: مراحل توطين صناعة المبيدات في مصر «تفاصيل»

رئيس لجنة المبيدات – وزارة الزراعة – مصر

تعد صناعة المبيدات من الصناعات الإستراتيجية المرتبطة مباشرة بالأمن الغذائي المصري. ومع ازدياد التحديات البيئية والاقتصادية، تسعى مصر إلى توطين هذه الصناعة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتقليل الاعتماد على الواردات، وتوفير منتجات آمنة ومتوافقة مع المعايير البيئية العالمية.

الخلفية العلمية

تعتمد صناعة المبيدات على قاعدة علمية وتقنية معقدة تشمل الكيمياء العضوية، والسمية، وتقنيات التصنيع الدقيقة. تتطلب الصناعة توفر بنية تحتية، كفاءات فنية، ومراكز بحوث متقدمة. توطينها لا يشمل فقط التصنيع، بل يشمل تطوير وتسجيل المبيدات، وضمان استخدامها الآمن والمستدام.

مراحل توطين صناعة المبيدات في مصر

المرحلة الأولى: مرحلة الاستيراد والتسجيل (قبل 2000)

السمات:

  • الاعتماد الكامل على استيراد المبيدات الجاهزة من الخارج.
  • اقتصار الصناعة المحلية على التعبئة والتغليف.
  • ضعف منظومة التسجيل والرقابة.
  • قلة الاستثمار المحلي في هذا القطاع.

المرحلة الثانية: مرحلة التصنيع الجزئي (2000 – 2015)

السمات:

  • بداية تصنيع بعض المبيدات بتركيبات محلية باستخدام مواد فعالة مستوردة.
  • ظهور شركات وطنية محدودة بدأت تصنيع المستحضرات.
  • تطور تدريجي في إجراءات تسجيل المبيدات.
  • ازدياد الوعي بدور الدولة في تقنين الاستخدام.

المرحلة الثالثة: مرحلة التوسع والتوطين الجزئي (2016 – 2023)

السمات:

  • ازدياد عدد المصانع المحلية التي تنتج المبيدات بتركيبات مختلفة.
  • تحسن الرقابة من خلال لجنة مبيدات الآفات الزراعية.
  • شراكات مع شركات دولية لنقل التكنولوجيا.
  • إنشاء مصانع لإنتاج بعض المواد الخام الوسيطة.
  • توجه نحو تصنيع المبيدات الحيوية والعضوية.

المرحلة الرابعة: مرحلة التوطين الكامل والتحول التقني (2024 – 2030 – متوقعة)

السمات (متوقعة):

  • إنتاج المادة الفعالة محلياً بنسبة أكبر.
  • استثمارات حكومية وخاصة لإنشاء مجمعات صناعية للمبيدات.
  • الاعتماد على البحث العلمي الوطني لتطوير مبيدات مصرية.
  • ربط الإنتاج بالتوجهات العالمية (الاستدامة، الاقتصاد الأخضر، تقليل الكربون).
  • توطين الكوادر الفنية وتفعيل دور الجامعات ومراكز البحوث.

التحديات والفرص لتوطين المبيدات

تحديات تواجه توطين المبيدات:

  • نقص التكنولوجيا المتقدمة في مجال المواد الفعالة.
  • ضعف التمويل والاستثمار في البحث العلمي.
  • المعوقات التشريعية والإجرائية في بعض الأحيان.
  • الحاجة إلى تطوير الكوادر البشرية.

فرص نجاح توطين المبيدات:

  • سوق محلي ضخم ونامٍ.
  • وجود دعم حكومي واضح للتصنيع المحلي.
  • اتفاقيات دولية تسهل نقل التكنولوجيا.
  • إمكانية تصدير المبيدات إلى إفريقيا والشرق الأوسط

توطين صناعة المبيدات في مصر هو مسار استراتيجي طويل المدى، يشمل مراحل متتالية من الاستيراد إلى التصنيع الكامل. نجاح هذا التوطين يتطلب تكامل السياسات الحكومية، والقطاع الخاص، والبحث العلمي، في إطار من الضوابط البيئية والصحية لضمان صناعة آمنة ومستدامة.

الصعوبات التي واجهت مراحل توطين صناعة المبيدات في مصر:

  1. المرحلة الأولى: الاستيراد والتسجيل (قبل 2000)

الصعوبات:

  • اعتماد كلي على الخارج: غياب أية بنية تحتية محلية للتصنيع أو البحث.
  • ضعف منظومة التسجيل: تسجيل المبيدات كان يتم دون تقييم كافٍ للفعالية أو الأثر البيئي.
  • غياب الرقابة: انتشار منتجات مغشوشة أو منتهية الصلاحية.
  • قلة الكوادر المؤهلة: ندرة في المهندسين والكيميائيين المتخصصين.
  • تعدد جهات الاختصاص: تضارب الصلاحيات بين وزارات الزراعة، والصحة، والصناعة.
  1. المرحلة الثانية: التصنيع الجزئي (2000 – 2015)

الصعوبات:

  • الاعتماد على المواد الخام المستوردة: ما أبقى الصناعة رهينة للتقلبات العالمية.
  • ضعف جودة المنتجات المحلية: نتيجة محدودية التكنولوجيا وخبرة التصنيع.
  • محدودية الحوافز الاستثمارية: غياب التشجيع الفعلي للاستثمار في هذا القطاع.
  • قلة مراكز البحث التطبيقي: ما أعاق تطوير تركيبات محلية منافسة.
  • ضعف الدعم الفني للمزارعين: مما أدى لاستخدام غير رشيد للمبيدات.
  1. المرحلة الثالثة: التوسع والتوطين الجزئي (2016 – 2023)

الصعوبات:

  • تأخر نقل التكنولوجيا المتقدمة: رغم وجود شراكات مع بعض الشركات العالمية.
  • العشوائية في السوق: دخول منتجات كثيرة دون رقابة كافية في بعض الفترات.
  • مقاومة الآفات للمبيدات: بسبب الإفراط وسوء الاستخدام.
  • عدم كفاية التشريعات: خاصة فيما يخص المبيدات الحيوية والعضوية.
  • الافتقار للبنية التحتية الصناعية الكاملة: مثل معامل تحليل وتكرير المادة الفعالة.
  1. المرحلة الرابعة: التوطين الكامل والتحول التقني (2024 – 2030 – متوقعة)

الصعوبات المتوقعة:

  • تكلفة إنشاء مصانع المادة الفعالة: والتي تتطلب استثمارات ضخمة ومعايير بيئية صارمة.
  • صعوبة التنافس مع الشركات العالمية: من حيث السعر والجودة.
  • قلة الكوادر الفنية عالية التدريب: في مجال كيمياء المبيدات والسمية.
  • التحديات البيئية: خاصة مع ازدياد التوجه نحو خفض البصمة الكربونية.
  • البيروقراطية والروتين الإداري: في تسجيل المبيدات أو تراخيص المصانع.

آفاق تصدير مبيدات الآفات الزراعية مع التقدم المصري في عملية التوطين

مع التقدم المتسارع في توطين صناعة المبيدات في مصر، بدأت تتشكل آفاق واعدة لتصدير المبيدات المصنعة محلياً إلى الأسواق الإقليمية والدولية، خاصة إلى الدول الإفريقية والعربية التي تشترك مع مصر في الخصائص البيئية والزراعية. ويُعد الموقع الجغرافي المتميز لمصر، إلى جانب عضويتها في اتفاقيات تجارية إقليمية (مثل الكوميسا والاتحاد الإفريقي)، عنصراً داعماً لنفاذ المنتجات المصرية إلى هذه الأسواق.

يتزامن هذا التوجه مع زيادة الطلب العالمي على المبيدات الآمنة والفعالة، وخصوصاً المبيدات الحيوية والعضوية، التي بدأ الإنتاج المحلي يوليها اهتماماً خاصاً. كما أن تحسن منظومة التسجيل والرقابة في مصر يعزز الثقة الدولية بجودة المنتجات.

لكن من أجل تحقيق طفرة حقيقية في التصدير، يجب تجاوز بعض التحديات مثل:

  • الحصول على شهادات الجودة والاعتماد الدولي (مثل ISO وGLP).
  • مطابقة المبيدات المصرية للمعايير البيئية والصحية في دول الاتحاد الأوروبي والأسواق المتقدمة.
  • بناء علامات تجارية قوية تعكس الثقة في الصناعة المصرية.
  • تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص في مجال تسويق وتسجيل المبيدات خارجياً.

إذا تم تجاوز هذه التحديات، فإن مصر تمتلك فرصة للتحول إلى مركز إقليمي لصناعة وتصدير المبيدات، خاصة للدول ذات البنية الزراعية النامية، مما يعزز اقتصادها الزراعي والصناعي في آنٍ واحد.

حجم تصدير المبيدات المتوقع على ضوء تنامي مراحل توطين صناعة المبيدات في مصر

تشير التقديرات إلى أن حجم صادرات مصر من المبيدات لا يزال محدوداً نسبياً مقارنة بالإنتاج المحلي، الذي يُستخدم معظمه لتلبية الطلب المحلي المتزايد. إلا أن تنامي مراحل التوطين وتطور البنية الصناعية والرقابية في مصر من المتوقع أن يرفع صادرات المبيدات بشكل تدريجي خلال الفترة 2025–2030. ووفقاً لمؤشرات السوق الإقليمية، يُتوقع أن تصل صادرات المبيدات المصرية إلى 200–300 مليون دولار أمريكي سنوياً بحلول عام 2030، مقارنة بمستوى يتراوح بين 50–80 مليون دولار في الفترة الحالية.

وتستند توقعات نمو توطين صناعة المبيدات في مصر إلى عدة عوامل:

  • القدرة الإنتاجية المتنامية للمصانع المحلية، بما في ذلك بعض خطوط إنتاج المادة الفعالة.
  • الطلب الإقليمي المتزايد على المبيدات، خصوصاً في أسواق إفريقيا جنوب الصحراء والدول العربية.
  • انخفاض تكلفة التصنيع مقارنة بالمنافسين العالميين.
  • جهود تسجيل المبيدات المصرية في دول أخرى، وتسهيل إجراءات النفاذ إلى الأسواق الخارجية.

وتُعد المبيدات الحشرية والفطرية من أبرز القطاعات التي يُتوقع تصديرها، يليها قطاع المبيدات الحيوية والعضوية مع دخول مصر هذا المجال بقوة. ومع دعم حكومي وسياسات محفزة، يمكن لمصر أن تتحول من دولة مستوردة صافية إلى مُصدِّر صاعد للمبيدات الزراعية في الشرق الأوسط وإفريقيا.