د طارق عبدالعليم يكتب:كيف تؤثر التغيرات المناخية على فعالية المبيدات الحيوية؟

باحث – المعمل المركزي للمبيدات – مركز البحوث الزراعية- مصر

في العقود الأخيرة تشهد الزراعة الحديثة تحولات جذرية مدفوعة بالتغيرات المناخية المتسارعة ، تصاعدت الدعوات لاستخدام المبيدات الحيوية كبدائل أكثر أماناً واستدامة للمبيدات الكيميائية التقليدية، لما لها من دور في حماية البيئة، والحفاظ على صحة الإنسان، وتقليل آثار المبيدات المتبقية على الغذاء. ولكن مع تصاعد التغيرات المناخية، تبرز تساؤلات جديدة حول مدى تأثير ارتفاع درجات الحرارة، وتغير نمط الأمطار، وزيادة الكربون الجوي على فعالية هذه المبيدات الحيوي. تتناول هذه المقالة العلاقة المعقدة بين التغيرات المناخية وفعالية المبيدات الحيوية، مع استعراض نشأتها وأنواعها، وتحليل التحديات والفرص في ظل الزراعة الذكية مناخياً.

  • أولاً: ما هي المبيدات الحيوية؟

المبيدات الحيوية (Biopesticides) هي مركبات مستخلصة من كائنات حية طبيعية (مثل البكتيريا، الفطريات، الفيروسات، أو المستخلصات النباتية)، تُستخدم في مكافحة الآفات الزراعية.

نشأتها وتطورها:

  • البداية: في أوائل القرن العشرين، حيث استخدم العلماء بكتيريا Bacillus thuringiensis (Bt) لمكافحة الحشرات.
  • التطور: شهدت العقود الأخيرة طفرة كبيرة في اعتماد المبيدات الحيوية ضمن استراتيجيات المكافحة المتكاملة IPM.
  • السوق: بلغ حجم سوق المبيدات الحيوية عالميًا نحو 6.8  مليار دولار في 2024، ومن المتوقع أن يتجاوز 13 مليار دولار بحلول 2030 بمعدل نمو سنوي مركب يزيد عن 10%.

(المصدر: Global Biopesticides Market Report 2024)

أقسام المبيدات الحيوية:

  1. العوامل الميكروبية: وتشمل البكتيريا والفطريات والفيروسات، مثل:
    • Bacillus thuringiensis (بكتيريا)
    • Metarhizium anisopliae فطريات)
    • Nucleopolyhedrovirus فيروسات حشرية)
  2. المركبات الطبيعية: كالزيوت النباتية والمستخلصات مثل النيم (Azadirachtin)، والبيرثرينات.
  3. شبه الكيميائية (Semiochemicals): مثل الفيرمونات المستخدمة للتشويش التزاوجي أو الجذب والقتل.

ثانياً: التغيرات المناخية وتأثيرها على المبيدات الحيوية

  1. ارتفاع درجات الحرارة:

ارتفاع درجات الحرارة يؤثر سلباً على استقرار المبيدات الحيوية، خصوصاً الميكروبات الحساسة، كما قد يقلل من فترة بقائها على الأسطح النباتية. الدراسات تشير إلى أن:

  • تؤثر الحرارة المرتفعة على بقاء العوامل الميكروبية بعد رشها، خاصة البكتيريا والفطريات التي تتحلل بسرعة تحت أشعة الشمس.
  • في بعض الحالات، تؤدي الحرارة الزائدة إلى تسريع دورة حياة الآفات، مما يقلل من النافذة الزمنية التي تعمل فيها المبيدات الحيوية بفعالية.
  • بعض الدراسات تشير إلى انخفاض فعالية Bt ضد اليرقات بنسبة 30-40% في درجات الحرارة فوق 32°C.
  1. تغير أنماط الأمطار والرطوبة:
  • الفطريات المستخدمة كمبيدات حيوية تحتاج إلى رطوبة مرتفعة لكي تنمو وتخترق جسم الحشرة. تعتمد الفطريات الممرضة مثل Beauveria bassiana على وجود رطوبة نسبية مرتفعة (>70%) لتفعيل آليات العدوى.
  • في البيئات الجافة أو أثناء فترات الجفاف، تقل فعالية الفطريات مثل Metarhizium anisopliae.
  • بالمقابل، الأمطار الغزيرة قد تُغسل المبيد الحيوي من على سطح النبات قبل أن يؤدي دوره.
  1. زيادة ثاني أكسيد الكربون:
  • تؤثر زيادة CO₂ على التركيب الكيميائي للنباتات، ما يؤدي إلى تغيير في شهية الحشرات، وبالتالي تغير استجابتها للمبيدات الحيوية. تؤدي المستويات المرتفعة من CO₂ إلى تغييرات فسيولوجية في النباتات مثل زيادة محتوى الكربون:النيتروجين، مما قد يؤثر على سلوك تغذية الآفات، وبالتالي على توقيت وفعالية استخدام المبيدات الحيوية.
  • قد تتطلب الآفات المتكيفة مع المناخ الجديد جرعات أعلى أو تكرار التطبيق لتحقيق ذات التأثير.
  • تغير التوازن بين النبات والآفة قد يُحدث تحولات في استراتيجية المكافحة المثلى.

ثالثاً: تحديات المبيدات الحيوية في ظل المناخ المتغير

التحدي التأثير الحلول المقترحة
حساسية للكشف صعوبة تخزين المبيدات الحيوية لفترات طويلة بسبب حساسيتها للحرارة والضوء تطوير تركيبات مُعالجة حراريًا وتقنيات نانو لحمايتها
محدودية الفعالية السريعة المبيدات الحيوية تحتاج وقتًا أطول لتظهر فعاليتها مقارنة بالكيماوية استخدام مركبات مُساعدة أو برامج متكاملة مع المكافحة
التغير المناخي السريع صعوبة التنبؤ بموعد ذروة الإصابة أو الفعالية المناخية للمبيد تطوير نظم إنذار مبكر وربطها بتوصيات الرش الحيوي

·       تحديات تقنية المبيدات الحيوية في ظل التغير المناخي

التحدي التأثير المحتمل الاستجابة العلمية
الحساسية للعوامل البيئية تقليل فعالية المبيد بعد التطبيق تطوير تكنولوجيا التغليف (Encapsulation)
التذبذب المناخي صعوبة تحديد توقيت التطبيق الأمثل نظم مراقبة بيئية وإنذار مبكر
ضعف الاستقرار خلال النقل والتخزين تقليل مدة الصلاحية في المناخ الحار تحسين تركيبات المواد الحاملة
مقاومة بعض السلالات الحشرية انخفاض الاستجابة للمنتجات الحيوية استخدام سلالات ميكروبية معدلة جينياً

 

رابعاً: أهمية المبيدات الحيوية في ظل الاستدامة والتغير المناخي

رغم التحديات المناخية، تُعد المبيدات الحيوية ركيزة أساسية في التحول نحو نظم إنتاج غذائي مستدام، وذلك لما يلي

  • صديقة للبيئة: لا تترك متبقيات ضارة وتتحلل بسرعة. وهو أمر بالغ الأهمية في سياق التشريعات الأوروبية الصارمة
  • آمنة للإنسان والنحل والأعداء الحيوية: مما يجعلها مناسبة في الزراعة العضوية. : لا تلوث التربة أو المياه ولا تؤثر على الكائنات غير المستهدفة
  • مقاومة منخفضة: بسبب تعدد آليات تأثيرها مقارنة بالمبيدات الكيميائية. نظراً لتعدد آليات التأثير مقارنة بالمبيدات الكيميائية أحادية الفعل.
  • تعزيز صحة التربة: لا تؤدي إلى تدهور الكائنات المفيدة بالتربة.
  • التوافق مع الزراعة العضوية والذكاء المناخي

خامساً: مستقبل المبيدات الحيوية في ظل التغيرات المناخية

  • الابتكار في التركيب: مثل استخدام التغليف النانوي لحماية الكائنات الحيوية من الظروف القاسية مثل  الأشعة فوق البنفسجية والجفاف.
  • التعديل الوراثي للعوامل الحيوية لزيادة قدرتها على تحمل الظروف المناخية القاسية لتعديل البكتيريا والفطريات لتتحمل الحرارة والجفاف.
  • الزراعة الذكية مناخياً: دمج استخدام المبيدات الحيوية مع أدوات الذكاء الاصطناعي لتوقيت المكافحة.
  • دمج تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بتوقيت الإصابة وتحديد النوافذ المثلى للمعالجة
  • الدعم السياسي والتشريعي: خاصة في أوروبا، حيث تعمل استراتيجية “من المزرعة إلى الشوكة” على تقليل المبيدات الكيميائية بنسبة 50% بحلول 2030.

📝 خاتمة

تؤكد الأدلة العلمية أن التغير المناخي لا يشكل فقط تهديداً مباشرًا للإنتاج الزراعي، بل يعيد صياغة ديناميكيات المكافحة البيولوجية للآفات. ومع ذلك، تظل المبيدات الحيوية خياراً واعداً إذا ما تم تطويرها بما يتماشى مع الواقع المناخي الجديد، عبر تكامل البحث العلمي، والهندسة البيولوجية، والسياسات المستدامة

المبيدات الحيوية ليست فقط حلاً بيئيًا، بل ضرورة مستقبلية لمواجهة تحديات الزراعة في ظل التغير المناخي. لكن ضمان فعاليتها يتطلب تطويراً علمياً وتقنياً مستمرًا، ومتابعة لصيقة للمتغيرات المناخية، ودمجها ضمن برامج المكافحة الذكية والتكاملية.

.