د هالة أبو يوسف تكتب: التقييم الحيوي للمبيدات في مصر… العلم هو درع يحمي الزراعة والإنسان
رئيس لجنة مبيدات الآفات الزراعية – مصر
في زمن تتعاظم فيه التحديات البيئية والغذائية، تقف مصر الزراعية على أرضٍ صلبة بفضل منظومة علمية دقيقة تُعرف باسم التقييم الحيوي للمبيدات، وهي حجر الزاوية في حماية المحاصيل وضمان سلامة الغذاء.
هذه المنظومة، التي تقودها لجنة مبيدات الآفات الزراعية بوزارة الزراعة، تمثل حلقة الوصل بين العلم والممارسة الميدانية، حيث لا يُسمح بتداول أي مبيد في السوق المصري إلا بعد أن يجتاز سلسلة من الاختبارات الصارمة التي تضمن فعاليته وسلامته على الإنسان والبيئة.
القطاع الزراعي والمبيدات
يسهم القطاع الزراعي في مصر بنحو 11.3% من الناتج المحلي الإجمالي، ويوفّر فرص عمل لما يقرب من ربع القوى العاملة (وفق تقارير البنك المركزي المصري لعام 2023)، غير أن هذا القطاع الحيوي يواجه خسائر قد تصل إلى 35% سنويًا بسبب الآفات (حشرات – أكاروسات – فطريات – نيماتودا – حشائش ….. وخلافه) )وفق تقديرات منظمة الأغذية والزراعة (FAO، من هنا يبرز التقييم الحيوي كدرع علمي يحمي الإنتاج الزراعي من التدهور ويضمن الاستخدام الآمن والفعّال للمبيدات.
مراحل تسجيل المبيدات
تمر رحلة المبيد قبل التسجيل بعدة مراحل تبدأ بالاختبارات المعملية التي تهدف إلى تحديد سمّية المبيد وفعاليته بدقة، باستخدام مؤشرات مثل LC₅₀ وEC₅₀، وهما يعبّران عن تركيز المادة الفعالة الذي يُحدث تأثيرًا بيولوجيًا في نحو 50% من الكائنات المختبَرة، سواء كان ذلك تأثيرًا مميتًا أو تثبيطيًا.
وتُعد هذه المؤشرات أدوات أساسية لتقييم السمية النسبية والفعالية الأولية للمبيد، تمهيدًا لتحديد الجرعة الاقتصادية الفعالة (ED₉₅) في المراحل الحقلية اللاحقة، وهي الجرعة التي تحقق أعلى كفاءة في مكافحة الآفة بأقل كمية ممكنة مع الحفاظ على الأعداء الحيوية وتقليل الفاقد الاقتصادي.
التطبيقات الحقلية لإستخدام المبيدات قبل التسجيل
بعد ذلك تُجرى الاختبارات نصف الحقلية في بيئة شبه طبيعية لقياس أداء المبيد بدقة، ثم تأتي المرحلة الحقلية الكاملة وهي الأهم، حيث تُنفذ التجارب في ثلاث مناطق جغرافية مختلفة ولموسمين زراعيين متتاليين لضمان ثبات النتائج تحت ظروف مناخية وزراعية متنوعة. ووفقًا للقرار الوزاري رقم 974 لسنة 2017، لا يُسمح بتسجيل أي مبيد في مصر إلا بعد استكمال هذه المراحل واعتماد نتائجها من الجهات البحثية المختصة.
قواعد تسجيل المبيدات
وتستند منظومة التقييم إلى الدليل الإرشادي الوطني المتوافق مع معايير الفاو (FAO) ومنظمة الصحة العالمية (WHO) والمنظمة الأوروبية لحماية النباتات (EPPO) وتشمل أبرز معاييرها تحديد الجرعة الاقتصادية الفعالة (ED₉₅) التي تحقق أعلى كفاءة بأقل كمية،
وفترة ما قبل الحصاد (PHI) لحماية المستهلك من متبقيات المبيدات، إضافة إلى تقييم الانتقائية البيولوجية لحماية الكائنات النافعة، ودراسة مقاومة الآفات لتفادي فشل المكافحة مستقبلاً.
ولا يتوقف دور اللجنة عند مرحلة التسجيل، إذ تبدأ بعدها مرحلة الرقابة الميدانية بالتعاون مع قسم الرقابة على المبيدات المعمل المركزي للمبيدات وشرطة البيئة والمسطحات ومصلحة الجمارك المصرية والهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات بالإضافة إلى معامل تحليل متبقيبات المبيدات المعتمدة (CAPL & QCAP).
ويتم خلال هذه المرحلة سحب عينات من الأسواق وتحليلها، ومتابعة الأداء الميداني للمبيدات، والتأكد من الالتزام بفترات الأمان وقيم الحدود القصوى لمتبقيات المبيدات، ما ساهم في رفع نسب التوافق مع المعايير الأوروبية للمنتجات الزراعية المصدّرة، التي تشكل أكثر من 45% من صادرات مصر الزراعية.
المبيدات وتطوير منظومة التقييم الحيوي
واليوم تتجه لجنة مبيدات الآفات الزراعية إلى تطوير منظومة التقييم الحيوي رقمياً عبر أتمتة تحليل البيانات وربط المعامل إلكترونياً، واستخدام نظم المعلومات الجغرافية (GIS) لاختيار مواقع التجارب بحيث تمثل كافة أقاليم مصر الزراعية والجغرافية، وإنشاء نظام مقارنة دولي لربط نتائج مصر بالمراكز البحثية العالمية. وتهدف هذه الجهود إلى توطين صناعة المبيدات وتحقيق60% اكتفاء ذاتي بحلول عام 2030، دعمًا لرؤية مصر للتنمية المستدامة.
إن التقييم الحيوي ليس مجرد اختبار علمي، بل عهدٌ بين الدولة والمزارع والمستهلك، يقوم على الدقة والشفافية والرقابة المستمرة، ويعكس التزام مصر بضمان تداول مبيدات آمنة وفعالة تحمي الإنسان والزراعة معًا.
وفي النهاية يمكننا القول أن: “دعم هذه المنظومة مسئولية جماعية تبدأ من المصنع وتمر بالمزارع ولا تنتهي عند المستهلك”.