د هالة أبو يوسف تكتب: لجنة مبيدات الآفات…جسر بين المعايير العالمية وواقع الزراعة المحلية

رئيس لجنة مبيدات الآفات الزراعية- وزارة الزراعة- مصر

تلعب لجنة مبيدات الآفات الزراعية في مصر دورًا محوريًا في إدارة وتنظيم ملف المبيدات على مستوى الدولة، بما يحقق توازنًا دقيقًا بين متطلبات الإنتاج الزراعي المستدام وحماية الصحة العامة والبيئة. وتزداد أهمية هذا الدور في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم، خاصة مع تشديد الرقابة على استخدام المبيدات في الأسواق الدولية، ولا سيّما في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، حيث أصبح الالتزام الصارم بالمعايير العالمية شرطًا أساسيًا للحفاظ على تنافسية الصادرات الزراعية المصرية وضمان نفاذها إلى تلك الأسواق.

وتعمل اللجنة تحت إشراف وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي على إدارة تسجيل وتداول واستخدام المبيدات والعمل على تطبيقها بأسلوب أمثل يضمنها أمانها النسبي على الإنسان والبيئة وفعاليتها على الآفات المستهدفة، مع وضع سياسات واضحة لإدارة المخاطر المرتبطة بالآفات الزراعية ووسائل مكافحتها. ويستند عملها إلى أسس علمية راسخة تقوم على مراجعة الدراسات والبحوث الحديثة، وتقييم التأثيرات المحتملة للمبيدات على صحة الإنسان والبيئة، إلى جانب المتابعة المستمرة للتطورات التشريعية والتنظيمية على المستويين الإقليمي والدولي.

لجنة المبيدات والإلتزامات الدولية

وفي ظل التحولات العالمية المتلاحقة في سياسات المبيدات، خاصة ما يتعلق بإلغاء بعض المواد الفعالة أو خفض الحدود القصوى لمتبقيات المبيدات في المنتجات الزراعية MRLs، تواجه مصر تحديات حقيقية تتطلب استجابة سريعة ومدروسة. فهذه القرارات، التي تأتي نتيجة للتقدم العلمي والالتزامات الدولية بقضايا الاستدامة وحماية البيئة، تفرض على الدول المصدرة، ومنها مصر، الالتزام الدقيق بتلك المعايير. وأي تجاوز، ولو كان محدودًا، قد يؤدي إلى رفض الشحنات التصديرية أو فرض قيود وغرامات، بما ينعكس سلبًا على الاقتصاد الزراعي الوطني ويؤثر على دخل المزارع والمصدر المصري.

وعلى الصعيد المحلي، تتعامل اللجنة مع مجموعة من التحديات التي تتطلب توازنًا بين التنظيم والتوعية. فمحدودية الوعي لدى بعض المزارعين بأساليب الاستخدام الأمثل للمبيدات قد تؤدي إلى ممارسات خاطئة، مثل الإفراط في تطبيق المبيد بمعدلات استخدان تفوق المعدلات الموصى بها أو استخدام مبيدات محظورة، وهو ما يرفع من المخاطر الصحية والبيئية. كما تبرز الحاجة المستمرة إلى تحديث الأطر التشريعية الوطنية بما يتواكب مع المعايير الدولية، إلى جانب تعزيز منظومة الرقابة على الأسواق لمنع تداول المبيدات المخالفة وضمان سلامة المنتجات المتداولة.

لجنة المبيدات بين الرقابة والتنظيم

وفي هذا السياق، تضطلع اللجنة بدور مزدوج يجمع بين التنظيم والرقابة، حيث تتولى إصدار الموافقات الفنية لاستيراد المبيد وتصاريح التداول للمبيدات المحلية، وذلك بعد إخضاعها لتقييم علمي دقيق، كما تقوم بإعداد ونشر قوائم تتضمن المبيدات المسموح بها والمحظورة والمقيدة الاستخدام، بما يضمن حماية المستهلك والبيئة في آن واحد. وتعتمد اللجنة في تنفيذ مهامها على أدوات علمية وإدارية متكاملة، تشمل تقييم المخاطر المرتبطة بالمبيدات، ووضع أدلة وإرشادات للممارسات الزراعية المثلى، وتحديد معدلات الاستخدام المثلى وتوقيتات التطبيق وفترات ما قبل الحصاد، فضلًا عن التعاون مع المعمل المركزي للمبيدات والمعمل المركزي لتحليل متبقيات المبيدات والعناصر الثقيلة في الأغذية، لرصد متبقيات المبيدات في المنتجات الزراعية المحلية ومتابعة الالتزام بالحدود القصوى المقررة.

كما تحرص اللجنة على المتابعة المستمرة لقرارات المنظمات الدولية في مجال المبيدات، ولا سيّما القرارات الصادرة عن الجهات التنظيمية العالمية مثل الاتحاد الأوروبي، بما يتيح لها تقديم توصيات استباقية تقلل من الآثار السلبية المحتملة على الصادرات الزراعية المصرية. وقد أسهم هذا النهج في تحقيق عدد من النجاحات الملموسة، من أبرزها الحفاظ على مكانة الصادرات المصرية في الأسواق الخارجية، وتقليل حالات رفض الشحنات بسبب متبقيات المبيدات، إلى جانب تحسين مستوى سلامة الغذاء وتعزيز الوعي بالممارسات الزراعية المثلى.

المبيدات والتوجه نحو الزراعة المستدامة

وتمضي اللجنة قدمًا في دعم التوجه نحو الزراعة المستدامة، من خلال تشجيع استخدام المبيدات الحيوية والبيولوجية كبدائل أكثر أمانًا، والعمل على تقليل الاعتماد على المبيدات الكيميائية التقليدية كلما أمكن ذلك. وفي إطار رؤيتها المستقبلية، تسعى اللجنة إلى تعزيز التحول الرقمي في أعمالها بما يساعد في تبسيط الإجراءات، وتبني نظم حديثة لتتبع تداول المبيدات ومراقبة المخاطر بشكل أكثر كفاءة، إلى جانب دعم البحوث التطبيقية وتوسيع برامج التدريب والتوعية للمزارعين والمصدرين، بالإضافة إلى البرنامج التدريبي الذي تتبناه اللجنة منذ عدة سنوات والذي يهدف إلى تأهيل خمسين ألف مطبق مبيدات.

وفي ضوء ما سبق، يظل دور لجنة مبيدات الآفات الزراعية في مصر كركيزة أساسية في تحقيق التوازن بين جودة الإنتاج الزراعي وحماية الصحة العامة والبيئة، مع الحفاظ على القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية المصرية في الأسواق العالمية. ومن خلال مواكبة التطورات العلمية والتشريعية، تؤكد اللجنة قدرتها على مواجهة التحديات المحلية والدولية، وترسيخ نموذج متكامل لإدارة ملف المبيدات يخدم أهداف التنمية الزراعية المستدامة.